فصل: باب لَا يَسْعَى إِلَى الصَّلَاةِ مُسْتَعْجِلًا وَلْيَقُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب قَوْلِ الرَّجُلِ فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ

وَكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ أَنْ يَقُولَ فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَمْ نُدْرِكْ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَحُّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الرجل فاتتنا الصلاة‏)‏ أي هل يكره أم لا‏؟‏ قوله‏:‏ ‏(‏وكره ابن سيرين الخ‏)‏ وصله ابن أبي شيبة عن أزهر عن ابن عون قال ‏"‏ كان محمد - يعني ابن سيرين - يكره ‏"‏ فذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو بالرفع على الابتداء، وأصح خبره‏.‏

وهذا كلام المصنف رادا على ابن سيرين‏.‏

ووجه الرد أن الشارع أطلق لفظ الفوات فدل على الجواز، وابن سيرين مع كونه كرهه فإنما كرهه من جهة اللفظ لأنه قال ‏"‏ وليقل لم ندرك ‏"‏ وهذا محصل معنى الفوات، لكن قوله لم ندرك فيه نسبة عدم الإدراك إليه بخلاف فاتتنا، فلعل ذلك هو الذي لحظه ابن سيربن‏.‏

وقوله أصح معناه صحيح أي بالنسبة إلى قول ابن سيرين، فإنه غير صحيح لثبوت النص بخلافه‏.‏

وعند أحمد من حديث أبي قتادة في قصة نومهم عن الصلاة ‏"‏ فقلت يا رسول الله فاتتنا الصلاة ‏"‏ ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وموقع هذه الترجمة وما بعدها من أبواب الأذان والإقامة أن المرء عند إجابة المؤذن يحتمل أن يدرك الصلاة كلها أو بعضها أو لا يدرك شيئا، فاحتيج إلى جواز إطلاق الفوات وكيفية الإتيان إلى الصلاة وكيفية العمل عند فوات البعض ونحو ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏شيبان‏)‏ هو ابن عبد الرحمن، ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه‏)‏ في رواية مسلم من طريق معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير التصريح بإخبار عبد الله له به وبإخبار أبي قتادة لعبد الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جلبة الرجال‏)‏ وفي رواية كريمة والأصيلي ‏"‏ جلبة رجال ‏"‏ بغير ألف ولام وهما للعهد الذهني، وقد سمي منهم أبو بكرة فيما رواه الطبراني من رواية يونس عن الحسن عنه نحوه في نحو هذه القصة‏.‏

و ‏"‏ جلبة ‏"‏ بجيم ولام وموحدة مفتوحات، أي أصواتهم حال حركتهم‏.‏

واستدل به على أن التفات خاطر المصلي إلى الأمر الحادث لا يفسد صلاته، وسنذكر الكلام على المتن في الباب الذي بعده‏.‏

*3*باب لَا يَسْعَى إِلَى الصَّلَاةِ وَلْيَأْتِ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ

وَقَالَ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا قَالَهُ أَبُو قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يسعى إلى الصلاة الخ‏)‏ سقطت هذه الترجمة من رواية الأصيلي ومن رواية أبي ذر عن غير السرخسي، وثبوتها أصوب لقوله فيها ‏"‏ وقاله أبو قتادة ‏"‏ لأن الضمير يعود على ما ذكر في الترجمة، ولولا ذلك لعاد الضمير إلى المتن السابق فيكون ذكر أبي قتادة تكرارا بلا فائدة لأنه ساقه عنه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلَا تُسْرِعُوا فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن الزهري‏)‏ أي بالإسناد الذي قبله، وهو آدم عن ابن أبي ذئب عنه، أي أن ابن أبي ذئب حدث به عن الزهري عن شيخين حدثاه به عن أبي هريرة، وقد جمعهما المصنف في ‏"‏ باب المشي إلى الجمعة ‏"‏ عن آدم فقال فيه ‏"‏ عن سعيد وأبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة ‏"‏ وكذلك أخرجه مسلم من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عنهما، وذكر الدار قطني الاختلاف فيه على الزهري وجزم بأنه عنده عنهما جميعا قال‏:‏ وكان ربما اقتصر على أحدهما‏.‏

وأما الترمذي فإنه أخرجه من طريق يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة وحده، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد وحده، قال‏:‏ وقول عبد الرزاق أصح، ثم أخرجه من طريق ابن عيينة عن الزهري كما قال عبد الرزاق، وهذا عمل صحيح لو لم يثبت أن الزهري حدث به عنهما‏.‏

وقد أخرجه المصنف في ‏"‏ باب المشي إلى الجمعة ‏"‏ من طريق شعيب ومسلم من طريق يونس كلاهما عن الزهري عن أبي سلمة وحده فترجح ما قال الدار قطني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم الإقامة‏)‏ هو أخص من قوله في حديث أبي قتادة ‏"‏ إذا أتيتم الصلاة ‏"‏ لكن الظاهر أنه من مفهوم الموافقة، لأن المسرع إذا أقيمت الصلاة يترجى إدراك فضيلة التكبيرة الأولى ونحو ذلك، ومع ذلك فقد نهى عن الإسراع، فغيره ممن جاء قبل الإقامة لا يحتاج إلى الإسراع لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها فينهي عن الإسراع من باب الأولى‏.‏

وقد لحظ فيه بعضهم معنى غير هذا فقال‏:‏ الحكمة في التقييد بالإقامة أن المسرع إذا أقيمت الصلاة يصل إلها وقد انبهر فيقرأ وهو في تلك الحالة فلا يحصل له تمام الخشوع في الترتيل وغيره، بخلاف من جاء قبل ذلك فإن الصلاة قد لا تقام فيه حتى يستريح‏.‏

انتهى‏.‏

وقضية هذا أنه لا يكره الإسراع لمن جاء قبل الإقامة، وهو مخالف لصريح قوله ‏"‏ إذا أتيتم الصلاة ‏"‏ لأنه يتناول ما قبل الإقامة، وإنما قيد في الحديث الثاني بالإقامة لأن ذلك هو الحامل في الغالب على الإسراع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعليكم بالسكينة‏)‏ كذا في رواية أبي ذر، ولغيره ‏"‏ وعليكم السكينة ‏"‏ بغير باء، وكذا في رواية مسلم من طريق يونس، وضبطها القرطبي شارحه بالنصب على الإغراء، وضبطها النووي بالرفع على أنها جملة في موضع الحال، واستشكل بعضهم دخول الباء قال‏:‏ لأنه متعد بنفسه كقوله تعالى ‏(‏عليكم أنفسكم‏)‏ وفيه نظر لثبوت زيادة الباء في الأحاديث الصحيحة كحديث ‏"‏ عليكم برخصة الله ‏"‏ وحديث ‏"‏ فعليه بالصوم فإنه له وجاء ‏"‏ وحديث ‏"‏ فعليك بالمرأة ‏"‏ قاله لأبي طلحة في قصة صفية، وحديث ‏"‏ عليك بعيبتك ‏"‏ قالته عائشة لعمر، وحديث ‏"‏ عليكم بقيام الليل ‏"‏ وحديث ‏"‏ عليك بخويصة نفسك ‏"‏ وغير ذلك‏.‏

ثم إن الذي علل به هذا المعترض غير موف بمقصوده، إذ لا يلزم من كونه يجوز أن يتعدى بنفسه امتناع تعديه بالماء، وإذا ثبت ذلك فيدل على أن فيه لغتين والله أعلم‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ الحكمة في هذا الأمر تستفاد من زيادة وقعت في مسلم من طريق العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، فذكر نحو حديث الباب وقال في آخره ‏"‏ فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة ‏"‏ أي أنه في حكم المصلي، فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والوقار‏)‏ قال عياض والقرطبي‏:‏ هو بمعنى السكينة، وذكر على سبيل التأكيد‏.‏

وقال النووي‏:‏ الظاهر أن بينهما فرقا، وأن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث، والوقار في الهيئة كغض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تسرعوا‏)‏ فيه زيادة تأكيد، ويستفاد منه الرد على من أول قوله في حديث أبي قتادة ‏"‏ لا تفعلوا ‏"‏ أي الاستعجال المفضي إلى عدم الوقار، وأما الإسراع الذي لا ينافي الوقار كمن خاف فوت التكبيرة فلا، وهذا محكي عن إسحاق بن راهويه وقد تقدمت رواية العلاء التي فيها ‏"‏ فهو في صلاة ‏"‏ قال النووي‏:‏ نبه بذلك على أنه لم يدرك من الصلاة شيئا لكان محصلا لمقصوده لكونه في صلاة، وعدم الإسراع أيضا يستلزم كثرة الخطا وهو معنى مقصود لذاته وردت فيه أحاديث كحديث جابر عند مسلم ‏"‏ أن بكل خطوة درجة ‏"‏ ولأبي داود من طريق سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار مرفوعا ‏"‏ إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة، فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له، فإن أتى وقد صلوا بعضا وبقي بعض فصلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك، وإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فما أدركتم فصلوا‏)‏ قال الكرماني‏:‏ الفاء جواب شرط محذوف، أي إذا بينت لكم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا‏.‏

قلت‏:‏ أو التقدير إذا فعلتم فا أدركتم أي فعلتم الذي أمرتكم به من السكينة وترك الإسراع‏.‏

واستدل بهذا الحديث على حصول فضيلة الجماعة بإدراك جزء من الصلاة لقوله ‏"‏ فما أدركتم فصلوا ‏"‏ ولم يفصل بين القليل والكثير، وهذا قول الجمهور، وقيل‏:‏ لا تدرك الجماعة بأقل من ركعة للحديث السابق ‏"‏ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك ‏"‏ وقياسا على الجمعة، وقد قدمنا الجواب عنه في موضعه وأنه ورد في الأوقات، وأن في الجمعة حديثا خاصا بها‏.‏

واستدل به أيضا على استحباب الدخول مع الإمام في أي حالة وجد عليها، وفيه حديث أصرح منه أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن رفيع عن رجل من الأنصار مرفوعا ‏"‏ من وجدني راكعا أو قائما أو ساجدا فليكن معي على حالتي التي أنا عليها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما فاتكم فأتموا‏)‏ أي أكملوا، هذا هو الصحيح في رواية الزهري، ورواه عنه ابن عيينة بلفظ ‏"‏ فاقضوا ‏"‏ وحكم مسلم في التمييز عليه بالوهم في هذه اللفظة، مع أنه أخرج إسناده في صحيحه لكن لم يسق لفظه، وكذا روى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة فقال ‏"‏ فاقضوا ‏"‏ وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق بلفظ ‏"‏ فأتموا‏"‏‏.‏

واختلف أيضا في حديث أبي قتادة، فرواية الجمهور ‏"‏ فأتموا ‏"‏ ووقع لمعاوية بن هشام عن سفيان ‏"‏ فاقضوا ‏"‏ كذا ذكره ابن أبي شيبة عنه‏.‏

وأخرج مسلم إسناده في صحيحه عن ابن أبي شيبة فلم يسق لفظه أيضا، وروى أبو داود مثله عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال‏:‏ ووقعت في رواية أبي رافع عن أبي هريرة، واختلف في حديث أبي ذر قال‏:‏ وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة ‏"‏ وليقض‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ ورواية ابن سيرين عند مسلم بلفظ ‏"‏ صل ما أدركت، واقض ما سبقك ‏"‏ والحاصل أن أكثر الروايات ورد بلفظ ‏"‏ فأتموا ‏"‏ وأقلها بلفظ ‏"‏ فاقضوا ‏"‏ وإنما تظهر فائدة ذلك إذا جعلنا بين الإمام والقضاء مغايرة، لكن إذا كان مخرج الحديث واحدا واختلف في لفظه منه وأمكن رد الاختلاف إلى معنى واحد كان أولى، وهنا كذلك لأن القضاء وإن كان يطلق على الفائت غالبا لكنه يطلق على الأداء أيضا، ويرد بمعنى الفراغ كقوله تعالى ‏(‏فإذا قضيت الصلاة فانتشروا‏)‏ ، ويرد بمعان أخر فيحمل قوله فاقضوا على معنى الأداء أو الفراغ فلا يغاير قوله فأتموا، فلا حجة فيه لمن تمسك برواية فاقضوا على أن ما أدركه المأموم هو آخر صلاته حتى استحب له الجهر في الركعتين الأخيرتين وقراءة السورة وترك القنوت، بل هو أولها وإن كان آخر صلاة إمامه لأن الآخر لا يكون إلا عن شيء تقدمه، وأوضح دليل على ذلك أنه يجب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل حال، فلو كان ما يدركه مع الإمام آخرا له لما احتاج إلى إعادة التشهد‏.‏

وقول ابن بطال إنه ما تشهد إلا لأجل السلام لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد ليس بالجواب الناهض على دفع الإيراد المذكور، واستدل ابن المنذر لذلك أيضا على أنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى، وقد عمل بمقتضى اللفظين الجمهور فإنهم قالوا‏.‏

إن ما أدرك المأموم هو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السورة مع أم القرآن في الرباعية، لكن لم يستحبوا له إعادة الجهر في الركعتين الباقيتين، وكأن الحجة فيه قوله ‏"‏ ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك واقض ما سبقك به من القرآن ‏"‏ أخرجه البيهقي، وعن إسحاق والمزني لا يقرأ إلا أم القرآن فقط وهو القياس، واستدل به على أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة للأمر بإتمام ما فاته، لأنه فاته الوقوف والقراءة فيه، وهو قول أبي هريرة وجماعة، بل حكاه البخاري في ‏"‏ القراءة خلف الإمام ‏"‏ عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام، واختاره ابن خزيمة والضبعي وغيرهما من محدثي الشافعية، وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين والله أعلم‏.‏

وحجة الجمهور حديث أبي بكرة حيث ركع دون الصف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ زادك الله حرصا ولا تعد ‏"‏ ولم يأمره بإعادة تلك الركعة، وسيأتي في أثناء صفة الصلاة إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة‏؟‏‏)‏ قيل أود الترجمة بلفظ الاستفهام لأن قوله في الحديث ‏"‏ لا تقوموا ‏"‏ نهى عن القيام، وقوله ‏"‏حتى تروني ‏"‏ تسويغ للقيام عند الرؤية، وهو مطلق غير مقيد بشيء من ألفاظ الإقامة، ومن ثم اختلف السلف في ذلك كما سيأتي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو الدستوائي، وقد رواه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه هنا عن أبان العطار عن يحيى، فلعله له فيه شيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كتب إلى يحيى‏)‏ ظاهر في أنه لم يسمعه منه، وقد رواه إسماعيل من طريق هشيم عن هشام وحجاج الصواف كلاهما عن يحيى، وهو من تدليس الصيغ وصرح أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن هشام أن يحيى كتب إليه أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه، فأمن بذلك تدليس يحيى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أقيمت‏)‏ أي إذا ذكرت ألفاظ الإقامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تروني‏)‏ أي خرجت وصرح به عبد الرزاق وغيره عن معمر عن يحيى أخرجه مسلم، ولابن حبان من طريق عبد الرزاق وحده ‏"‏ حتى تروني خرجت إليكم‏"‏؛ وفيه مع ذلك حذف تقديره فقوموا‏.‏

وقال مالك في الموطأ‏:‏ لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحد محدود، إلا أني أرى ذلك على طاقة الناس، فإن منهم الثقيل والخفيف‏.‏

وذهب الأكثرون إلى أنهم إذا كان الإمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة، وعن أنس أنه كان يقوم إذا قال المؤذن ‏"‏ قد قامت الصلاة ‏"‏ رواه ابن المنذر وغيره، وكذا رواه سعيد بن منصور من طريق أبي إسحاق عن أصحاب عبد الله، وعن سعيد بن المسيب قال ‏"‏ إذا قال المؤذن الله أكبر وجب القيام، وإذا قال حي على الصلاة عدلت الصفوف، وإذا قال لا إله إلا الله كبر الإمام ‏"‏ وعن أبي حنيفة يقومون إذا قال حي على الفلاح، فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام، وأما إذا لم يكن الإمام في المسجد فذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون حتى يروه، وخالف من ذكرنا على التفصيل الذي شرحنا، وحديث الباب حجة عليهم وفيه جواز الإقامة والإمام في منزله إذا كان يسمعها وتقدم إذنه في ذلك‏.‏

قال القرطبي‏:‏ ظاهر الحديث أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته، وهو معارض لحديث جابر بن سمرة ‏"‏ أن بلالا كان لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏

ويجمع بينهما بأن بلالا كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس، ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم‏.‏

قلت‏:‏ ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب ‏"‏ أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن الله أكبر يقومون إلى الصلاة، فلا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف‏"‏؛ وأما حديث أبي هريرة الآتي قريبا بلفظ ‏"‏ أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولفظه في مستخرج أبي نعيم ‏"‏ فصف الناس صفوفهم ثم خرج علينا ‏"‏ ولفظه عند مسلم ‏"‏ أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى فقام مقامه ‏"‏ الحديث‏.‏

وعنه في رواية أبي داود ‏"‏ إن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يجيء النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فيجمع بينه وبين حديث أبي قتادة بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النهي عن ذلك في حديث أبي قتادة، وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره ولا يرد هذا حديث أنس الآتي أنه قام في مقامه طويلا في حاجة بعض القوم، لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادرا، أو فعله لبيان الجواز‏.‏

*3*باب لَا يَسْعَى إِلَى الصَّلَاةِ مُسْتَعْجِلًا وَلْيَقُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يقوم إلى الصلاة مستعجلا، وليقم إليها بالسكينة والوقار‏)‏ كذا في رواية الحموي‏.‏

وفي رواية المستملي ‏"‏ باب لا يسعى إلى الصلاة ‏"‏ وسقط من رواية الكشميهني، وجمعا في رواية الباقين بلفظ باب لا يسعى إلى الصلاة ولا يقوم إليها مستعجلا الخ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يسعى‏)‏ كأنه يشير بذلك إلى رواية ابن سيرين في حديث أبي هريرة عند مسلم ولفظه ‏"‏ إذا ثوب بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم ‏"‏ وفي رواية أبي سلمة عن أبي هريرة عند المصنف في ‏"‏ باب المشي إلى الجمعة ‏"‏ من كتاب الجمعة ‏"‏ إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ‏"‏ وسيأتي وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى ‏(‏فاسعوا إلى ذكر الله‏)‏ هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعليكم بالسكينة‏)‏ كذا في رواية أبي ذر وكريمة‏.‏

وفي رواية الأصيلي وأبي الوقت ‏"‏ وعليكم السكينة ‏"‏ بحذف الباء، وكذا أخرجه أبو عوانة من طرق عن شيبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه علي بن المبارك‏)‏ أي عن يحيى، ومتابعته وصلها المؤلف في كتاب الجمعة، ولفظه ‏"‏ عليكم السكينة ‏"‏ بغير باء أيضا‏.‏

وقال أبو العباس الطرقي‏:‏ تفرد شيبان وعلي بن المبارك عن يحيى بهذه الزيادة، وتعقب بأن معاوية بن سلام تابعهما عن يحيى، ذكره أبو داود عقب رواية أبان عن يحيى فقال‏:‏ رواه معاوية بن سلام وعلي بن المبارك عن يحيى وقالا فيه ‏"‏ حتى تروني وعليكم السكينة‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وهذه الرواية المعلقة وصلها الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم عن معاوية بن سلام وشيبان جميعا عن يحيى كما قال أبو داود‏.‏

*3*باب هَلْ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِعِلَّةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يخرج من المسجد لعلة‏)‏ أي لضرورة، وكأنه يشير إلى تخصيص ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما من طريق أبي الشعثاء عن أبي هريرة ‏"‏ أنه رأى رجلا خرج من المسجد بعد أن أذن المؤذن فقال‏:‏ أما هذا فقد عصى أبا القاسم ‏"‏ فإن حديث الباب يدل على أن ذلك مخصوص بمن ليس له ضرورة، فيلحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم، وكذا من يكون إماما لمسجد آخر ومن في معناه‏.‏

وقد أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه فصرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبالتخصيص ولفظه ‏"‏ لا يسمع النداء في مسجد ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ انْصَرَفَ قَالَ عَلَى مَكَانِكُمْ فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً وَقَدْ اغْتَسَلَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرج وقد أقيمت الصلاة‏)‏ يحتمل أن يكون المعنى خرج في حال الإقامة، ويحتمل أن تكون الإقامة تقدمت خروجه، وهو ظاهر الرواية التي في الباب الذي بعده، لتعقيب الإقامة بالتسوية، وتعقيب التسوية بخروجه جميعا بالفاء، ويحتمل أن يجمع بين الروايتين بأن الجملتين وقعتا حالا أي خرج والحال أن الصلاة أقيمت والصفوف عدلت‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ لفظ ‏"‏ قد ‏"‏ تقرب الماضي من الحال، وكأنه خرج في حال الإقامة وفي حال التعديل، ويحتمل أن يكونوا إنما شرعوا في ذلك بإذن منه أو قرينة تدل عليه‏.‏

قلت‏:‏ وتقدم احتمال أن يكون ذلك سببا للنهي فلا يلزم منه مخالفتهم له، وقد تقدم الجمع بينه وبين حديث أبي قتادة ‏"‏ لا تقوموا حتى تروني قريبا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعدلت الصفوف‏)‏ أي سويت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى إذا قام في مصلاه‏)‏ زاد مسلم من طريق يونس عن الزهري ‏"‏ قبل أن يكبر فانصرف ‏"‏ وقد تقدم في ‏"‏ باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب ‏"‏ من أبواب الغسل من وجه آخر عن يونس بلفظ ‏"‏ فلما قام في مصلاه ذكر ‏"‏ ففيه دليل على أنه انصرف قبل أن يدخل في الصلاة، وهو معارض لما رواه أبو داود وابن حبان عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم، ولمالك من طريق عطاء بن يسار مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار بيده أن امكثوا، ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله ‏"‏ كبر ‏"‏ على أراد أن يكبر، أو بأنهما واقعتان، أبداه عياض والقرطبي احتمالا وقال النووي إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان كعادته، فإن ثبت وإلا فما في الصحيح أصح، ودعوى ابن بطال أن الشافعي احتج بحديث عطاء على جواز تكبير المأموم قبل تكبير الإمام قال فناقض أصله فاحتج بالمرسل، متعقبه بأن الشافعي لا يرد المراسيل مطلقا، بل يحتج منها بما يعتضد، والأمر هنا كذلك لحديث أبي بكرة الذي ذكرناه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏انتظرنا‏)‏ جملة حالية، و قوله‏:‏ ‏(‏انصرف‏)‏ أي إلى حجرته وهو جواب إذا، و قوله‏:‏ ‏(‏قال‏)‏ استئناف أو حال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على مكانكم‏)‏ أي كونوا على مكانكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على هيئتنا‏)‏ بفتح الهاء بعدها ياء تحتانية ساكنة ثم همزة مفتوحة ثم مثناة، والمراد بذلك أنهم امتثلوا أمره في قوله ‏"‏ على مكانكم ‏"‏ فاستمروا على الهيئة - أي الكيفية - التي تركهم عليها، وهي قيامهم فب صفوفهم المعتدلة‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ على هيئتنا ‏"‏ بكسر الهاء وبعد الياء نون مفتوحة، والهيئة الرفق، ورواية الجماعة أوجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ينطف‏)‏ بكسر الطاء وضمها أي يقطر كما صرح به في الرواية التي بعد هذه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد اغتسل‏)‏ زاد الدار قطني من وجه آخر عن أبي هريرة فقال ‏"‏ إني كنت جنبا فنسيت أن اغتسل ‏"‏ وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما مضى في كتاب الغسل جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة لأجل التشريع، وفيه طهارة الماء المستعمل وجواز الفصل بين الإقامة والصلاة، لأن قوله ‏"‏ فصلى ‏"‏ ظاهر في أن الإقامة لم تعد، والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت‏.‏

وعن مالك إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد، وينبغي أن يحمل على ما إذا لم يكن عذر‏.‏

وفيه أنه لا حياء في أمر الدين، وسبيل من غلب أن يأتي بعذر موهم كأن يمسك بأنفه ليوهم أنه رعف‏.‏

وفيه جواز انتظار المأمومين مجيء الإمام قياما عند الضرورة، وهو غير القيام المنهي عنه في حديث أبي قتادة‏.‏

وأنه لا يجب على من احتلم في المسجد فأراد الخروج منه أن يتيمم كما تقدم في الغسل‏.‏

وجواز الكلام بين الإقامة والصلاة وسيأتي في باب مفرد‏.‏

وجواز تأخير الجنب الغسل عن وقت الحدث‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ وقع في بعض النسخ هنا‏:‏ قيل لأبي عبد الله - أي البخاري - إذا وقع هذا لأحدنا يفعل مثل هذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قيل‏:‏ فينتظرون الإمام قياما أو قعودا‏؟‏ قال‏:‏ إن كان قبل التكبير فلا بأس أن يقعدوا، وإن كان بعد التكبير انتظروه قياما‏.‏

ووقع في بعضها في آخر الباب الذي بعده‏.‏

*3*باب إِذَا قَالَ الْإِمَامُ مَكَانَكُمْ حَتَّى رَجَعَ انْتَظَرُوهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا قال الإمام مكانكم‏)‏ هذا اللفظ في رواية يونس عن الزهري كما مضى في الغسل بلفظ ‏"‏ فقال لنا مكانكم ‏"‏ بحذف حرف الجر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى نرجع‏)‏ بالنون للكشميهني، وبالهمزة للأصيلي، وبالتحتانية للباقين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقَدَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ ثُمَّ قَالَ عَلَى مَكَانِكُمْ فَرَجَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ كذا في جميع الروايات غير منسوب، وجوز ابن طاهر والجياني أنه إسحاق بن منصور، وبه جزم المزي، وكنت أجوز أنه ابن راهويه لثبوته في مسنده عن الفريابي إلى أن رأيت في سياقه له مغايرة‏.‏

ومحمد بن يوسف هو الفريابي وقد أكثر البخاري عنه بغير واسطة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الزهري عن أبي سلمة‏)‏ صرح بالتحديث في الموضعين إسحاق بن راهويه في روايته له عن الفريابي، ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في المستخرج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتقدم وهو جنب‏)‏ أي في نفس الأمر، لا أنهم اطلعوا على ذلك منه قبل أن يعلمهم، وقد تقدم في الغسل في رواية يونس ‏"‏ فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب‏"‏‏.‏

وفي رواية أبي نعيم ‏"‏ ذكر أنه لم يغتسل‏"‏، ومضت فوائده في الباب الذي قبله‏.‏

*3*باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صَلَّيْنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم ما صلينا‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ فيه رد لقول إبراهيم النخعي‏:‏ يكره أن يقول الرجل لم نصل ويقول نصلي‏.‏

قلت‏:‏ وكراهة النخعي إنما هي في حق منتظر الصلاة، وقد صرح ابن بطال بذلك، ومنتظر الصلاة في صلاة كما ثبت بالنص، فإطلاق المنتظر ‏"‏ ما صلينا ‏"‏ يقتضي نفي ما أثبته الشارع فلذلك كرهه، والإطلاق الذي في حديث الباب إنما كان من ناس لها أو مشتغل عنها بالحرب كما تقدم تقريره في ‏"‏ باب من صلى بالناس جماعة بعد خروج الوقت ‏"‏ في أبواب المواقيت، فافترق حكمهما وتغايرا‏.‏

والذي يظهر لي أن البخاري أراد أن ينبه على أن الكراهة المحكية عن النخعي ليست على إطلاقها لما دل عليه حديث الباب، ولو أراد الرد على النخعي مطلقا لأفصح به كما أفصح بالرد على ابن سيرين في ترجمة ‏"‏ فاتتنا الصلاة‏"‏، ثم إن اللفظ الذي أورده المؤلف وقع النفي فيه من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا من قول الرجل، لكن في بعض طرقه وقوع ذلك من الرجل أيضا، وهو عمر كما أورده في المغازي، وهذه عادة معروفة للمؤلف يترجم ببعض ما وقع في طرق الحديث الذي يسوقه ولو لم يقع في الطريق التي يوردها في تلك الترجمة، ويدخل في هذا ما في الطبراني من حديث جندب في قصة النوم عن الصلاة ‏"‏ فقالوا‏:‏ يا رسول الله سهونا فلم نصل حتى طلعت الشمس ‏"‏ وبقية فوائد الحديث تقدمت في المواقيت‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ تَغْرُبُ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بُطْحَانَ وَأَنَا مَعَهُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى يَعْنِي الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب‏)‏ وذلك بعد ما أفطر الصائم‏.‏

قال الكرماني مستشكلا‏:‏ كيف يكون المجيء بعد الغروب‏؟‏ لأن الصائم إنما يفطر حينئذ مع تصريحه بأنه جاء في اليوم، ثم أجاب بأن المراد بقوله يوم الحندق زمان الخندق، والمراد به بيان التاريخ لا خصوص الوقت ا ه‏.‏

والذي يظهر لي أن الإشارة بقوله ‏"‏ وذلك بعد ما أفطر الصائم ‏"‏ إشارة إلى الوقت الذي خاطب به عمر النبي صلى الله عليه وسلم لا إلى الوقت الذي صلى فيه عمر العصر، فإنه كان قرب الغروب كما تدل عليه ‏"‏ كاد‏"‏‏.‏

وأما إطلاق اليوم وإرادة زمان الوقعة لا خصوص النهار فهو كثير‏.‏